استطلاع -علي الستراوي:
ودعنا فجر أمس (الجمعة) الفنان التشكيلي ناصر اليوسف، الذي يعد من مؤسسي ورواد الحركة التشكيلية في البحرين وصاحب مدرسة أضاف فيها الكثير من أبعاد الفن التشكيلي المتصل بالحس المحلي والشعبي. ”الوطن الثقافي” استطلعت آراء الفنانين التشكيلين والمثقفين الذين عرفوا مدرسة اليوسف وسجاياه وإبداعاته الفنية.
اليوسف مرجع للجميع
يرى الفنان عبد الكريم البوسطة أن ”اليوسف أحد مؤسسي الحركة التشكيلية في البحرين، استطاع أن يلم شمل أصحابه وأحبابه، وهو من مؤسسي جمعية البحرين للفن المعاصر ورائد من رواد الحركة التشكيلية. استطاع بما يتمتع به من عقلية متزنة أن يرتقي بالجمعية من خلال معارضها.
وكان اليوسف يبذل جهداً بكل معنى الكلمة من خلال دعمه المادي ووقته، فهو مرجع الجميع عندما تعتري أحدنا مشكلة ما. وكنت مرتبطاً به ارتباطا حميميا أخويا امتد منذ 1956عندما كنا طلبة في المرحلة الثانوية وكان استاذنا في ذلك الوقت المرحوم أحمد قاسم السني، فكانت بدايتنا مع بعض، والحديث عن اليوسف ذو إكبار لأن حضوره كان جلياً في ساحتنا التشكيلية وفقده خسارة نعزي فيها أنفسنا أولاً وثانياً أهله، داعين ألا يريهم الله مكروهاً في عزيز”.
مدرسة تشكيلية متفردة
الدكتور راشد نجم يقول: فاجأتنا الأيام ونحن نلهث وراء بريقها برحيل عزيز علينا في غفلة من الزمن – وخصوصاً هذا العام – فكأننا على موعد مع رحيل كثير من وجوه الفن والأدب في الخليج والوطن العربي .. فها هو الفنان التشكيلي البحريني الكبير ناصر اليوسف يرحل عنا ويغادر دنيانا ليعلن برحيله طي صفحة جميلة من صفحات رواد مسيرة الحركة التشكيلية في البحرين.. فهذه مشيئة الله في خلقه ولا راد لقضائه.
يمثّل الفنان الراحل ناصر اليوسف مدرسة تشكيلية متفردة لا يجاريه فيها فنان آخر، فهي مدرسة تشكّل فيها البيئة البحرينية والتراث الشعبي ومأثوراته والحياة اليومية بكل مجرياتها ومكوناتها مفصلاً مهماً من مفاصل أعماله ومصدراً لإلهامه الذي لا تخلو أية لوحة منه، وخصوصاً طائر الحمام الذي ارتبط به منذ طفولته الأولى في مدينة المحرق التي ولد فيها العام 1940 حتى انتقاله إلى المنامة حوالي العام 1948 إذ كان يربّي الحمام في منزله ويتكاثر أمامه فكان يرسمه على كل شيء بدءا من دفاتر الرسم مروراً برسوماته الأولى على جدران البيوت في الحي الذي يسكنه حتى أعماله الفنية الكبيرة وانتهاء بأغلفة دواوين الشعراء البحرينيين.
تتلمذ -رحمه الله- على يد فنانين مهمين في مسيرته الفنية هم: الفنان التشكيلي الكبير الأستاذ كريم العريض -أطال الله في عمره- منذ كان تلميذاً في الصف الرابع الابتدائي، إذ كان له فضل إذكاء روح الفن لديه وإنمائها، ثم الفنان التشكيلي الراحل الأستاذ أحمد السني الذي فتح له الطريق أمام مشاركاته الفنية في المراحل المدرسية المختلفة. بعد ذلك انطلق في مسيرته الفنية بعد أن تخرج من قسم المعلمين في مدرسة المنامة الثانوية وعمل فيها مدرساً مع الفنان القدير عزيز زباري حتى انضم إلى أسره هواة الفن وبدأت مشاركاته في المعارض الرسمية، وكان أولها في المعرض الزراعي العام 1957 وكان يقام في حديقة الأندلس حيث شارك بلوحة اسمها ”سهرة شتوية”، ثم استمر في مشاركاته في جميع المعارض التي كانت تقام سنوياً في البحرين. كما أسهم في تأسيس جمعية الفن المعاصر، وأقام عدداً من معارضه الشخصية داخل البحرين وخارجها، وحتى عندما أصيب بالعمى لم يمنعه ذلك من الرسم والمشاركة إذ تحدى هذه العاهة وشارك بلوحاته، وكانت آخر مشاركة رسمية له في معرض البحرين السنوي 33 للفنون التشكيلية الذي أقيم قبل شهرين فقط في متحف البحرين الوطني برعاية كريمة من سمو رئيس الوزراء حفظه الله.
لقد خسرت الحركة التشكيلية في البحرين بفقده رائداً من روادها، إذ كان يمثل مع أصدقاء مسيرته من الفنانين راشد العريفي، وكريم العريض، وعبد الله المحرقي، وأحمد السني، وكريم البوسطة، واسحق خنجي وغيرهم من رواد الحركة التشكيلية الذين أسسوا حركة الفن التشكيلي المعاصر في البحرين ورسموا خطوط مستقبلها من خلال تبنيهم للأجيال الشبابية الحالية من الفنانين.
رحمك الله يا ناصر اليوسف وأسكنك فسيح جنانه. وعزاؤنا أنك ستظل حتى في رحيلك خالداً فينا بأعمالك الفنية وبخلقك وسيرتك الطيبة.. إنا لله وإنا إليه راجعون”.
من أقرب الفنانين لنفسي
الفنان إبراهيم بوسعد يرى أن ناصر اليوسف أخ وصديق درب، ويقول: ”دخلنا مشاريع مشتركة كثيرة، فقد كان رائداً تتلمذ الكثيرون على يده. ناصر اليوسف الإنسان والفنان الذي يتمتع بخلق عالٍ وتواضع جم، هذا الإنسان الفنان الرائد الذي أسس مدرسة الفن التشكيلي الحديث في البحرين، ومؤسس لغة الحفر ورائده، وهو أول من استورد أدوات الحفر من مكابس وغيرها. ويعد ناصر اليوسف خسارة كبيرة ليس على صعيد الفن وحده بل على مستوى شخصي، فهو من أقرب الناس والفنانين على قلبي. وبفقده فقدت أخا حميماً، وفقدت الساحة التشكيلية فناناً عشق فنه رغم ما أصابه من علة أفقدته بصره، فرحمة الله عليه، ويظل معنا شاهداً لتاريخ مرحلة فنية كان هو المؤسس لها والرائد لصيرورتها”.
شد انتباهي منذ بداياتي الأولى
أما الفنان الشاب جعفر العريبي فيقول: ”إن الفنان ناصر اليوسف يعني لي الكثير، حيث إنه من الفنانين القلائل الذين لفتوا نظري وشدوا اهتمامي بشكل كبير في بداياتي، وبالأخص اللوحة التي يوجد فيها الطير داخل قفص وقط في الخارج يحاول الإمساك به. أحسست في أعماله بقيمة فنية رائعة وبتقنية تلوينية متميزة. ولا يخفى على أحد أن ناصر اليوسف أنتج أفضل أعماله خلال السنوات الأخيرة، وذلك عن طريق (اللانيو) على رغم أنه يفتقد البصر لكنه يملك بصيرة كبيرة جدا لا يملكها كثير من الفنانين المبصرين. وأعتقد بأنه فنان يجب أن يكرم بشكل لائق. وقد حان الوقت لإقامة متحف للفنون التشكيلية في البحرين. للحفاظ بهذا الكم من اللوحات الرائعة تقديراً للمرحوم والجمهور. وبفقداننا الفنان ناصر اليوسف فقد الفن البحريني رائداً من رواد الحركة التشكيلية في البحرين”.
رائد الحركة التشكيلية في البحرين
ويرى الفنان عبد الشهيد خمدن أن الفنان المرحوم ناصر اليوسف ”غني عن التعريف ويعتبر من الرواد المؤسسين للحركة التشكيلية في البحرين، ويتمتع بفكر ورؤية ثقافية فنية، كما أنه يتميز عن الآخرين بنجاحه الكبير وأسلوبه الإبداعي الخاص. هو فنان حساس، ورغم الظروف التي عاشها قبل رحيله، ظل يحمل إحساسا وصدقا نجح في تجسيده عبر اللوحة، وترك أثراً طيبا في الساحة الثقافية. يتمتع ناصر بأخلاق حميدة إلى جانب مشاركاته الكثيرة ، وكثيراً ما تميزت أعماله بالدقة واختياره المناسب للموضوع. يظل ناصر ذاكرة الفنان البحريني التي لا تغيب، وقد أحببت أعماله فهو ”حيّ” لم يمت وقد أوقظ ذاكرتي الفنية للفن التشكيلي في بدء حياتي الفنية، فرحمه الله”.
يظل رمزاً للتحدي والصمود
ويقول الفنان عباس يوسف إن ”الفنان الراحل ناصر اليوسف رمز للتحدي والصمود والتفاني، التحدي لكل ما لاقاه من ظروف قبل المرض وبعده، وصموده في هذا العشق لفنه الذي لم يتخل عنه حتى آخر رمق في حياته، وفي تقديري أن الحركة التشكيلية في البحرين فقدت علماً من أعلامها الكبار على أكثر من صعيد، كونه فنانا مبدعا ومعلما وإنسانا. ولا أعرف أن أعبر في هذه العجالة لأن المصاب جلل، ولكنه يبقى فنانا رائدا رحمه الله”.
اليوسف صاحب مدرسة فنية رائدة
ويعتقد التشكلي هشام زباري أن ناصر اليوسف من الفنانين القليلين الذين اسسوا مدرسة خاصة تحمل بصماتهم الفنية، ويعتبر من الرواد المؤسسين في الحركة التشكيلية، وتربطني به علاقة خاصة جداً، وذلك في عام 1979 م، فقد فزنا أنا وهو بجائزة السعفة الذهبية وهي الجائزة الأولى، للمعرض الدوري الذي أقيم في قطر وكانت الجائزة التي فزت بها مشاركة مع ناصر اليوسف، وكان لي شرف كبير أن أفوز بمثل هذه جائزة مع الفنان القدير ناصر اليوسف، والفنان اليوسف تحدى إعاقته وقدم أجمل لوحاته كونه ضريراً، وهو صاحب رؤية فنية، والكلمات تعجزعن الحديث عن ناصر اليوسف، لأنه أكبر من ذلك.. فهو فنان رائد لحركة تشكيلية عرفها الفنان البحريني، وسوف يترك ناصر اليوسف فراغا في الحركة التشكيلية في البحرين، لا أقول: سوى رحمة الله عليه، ونحن بفقده خسرنا فناناً صاحب مدرسة رائدة، وأتمنى أن يلقى التكريم المناسب، لما قدمه للحركة التشكيلية في البحرين.
تشهد له إبداعاته
ويقول التشكيلي راشد العريفي إن الفنان ناصر زامله في جمعية البحرين للفن المعاصر، كأخ وكفنان قدم مدرسة تشكيلية رائدة، ويقول: ”كان من الفنانين المجتهدين الذين يقدمون اللوحة في عمل موروثي يحمل اجتهاداً خاصاً في البحث عن الإبداع، وكان مشاركاً في جميع المعارض التي تقوم بها الجمعية، وقد شاركت مع مجموعة من الفنانين في جماعة فناني الخليج، وضم هذا التجمع عددا من الفنانين الكبار، وعلى رأسهم ناصر اليوسف فهو عضو بارز في جمعية الفن المعاصر، وترأس الجمعية مدة عامين. إن ناصر غني عن التعريف ومن رواد الحركة التشكيلية في البحرين وقد عالج الفنان الموضوع التراثي عن الغوص بأسلوب حداثي، وله فضل في إنعاش الحركة التشكيلية، ومعارضه أثبتت إصراره وعزيمته، فتبرز في لوحاته معاصرة قدم عبرها أجمل الأعمال الإبداعية. ويعتبر ناصر من الفنانين القلائل في الحفر على الزنك. نحن في جمعية الفن المعاصر ننعى هذا الفنان الكبير فهو من المؤسسين رحمة الله عليه، وبرحيله فقدنا فناناً رائداً قل مثيله”.
كان مخلصاً للفن والحب والناس
أما الفنان علي المحميد الذي تربطه علاقة حميمة مع الفنان اليوسف عندما كانا مدرسين في السبعينيات فيقول: إنه أخ، وصديق. ورحيله فاجعة كبيرة. منذ فقده البصر، ظل رائداً وفناناً مبدعاً وحاضراً في مرآة الفن التشكيلي، ونحن نرفع العزاء إلى عائلته ومحبيه والفنانين التشكيليين الذين عرفوه وعرفوا إبداعاته. ويظل ناصر من الفنانين الصادقين في أعماله طرح المواضيع برؤية معاصرة ذات أبعاد ثقافية رائدة في الحركة التشكيلية وقد ترك بصمات في الحركة التشكيلية تقود أي فنان نحو لوحات الفقيد. وقد كان ناصر دائماً صادقاً ومخلصاً للفن والحب والناس، وبفقدنا هذا الفنان فقدنا رائداً من رواد الحركة التشكيلية في البحرين ومعلماً صادقاً وفناناً لم يمل حتى آخر لحظات حياته”.
علم الكثيرين وأنا أحدهم
ويقول الفنان عبد الجبار الغضبان: ”فوجئ الجميع برحيل هذا الفنان القدير. ناصر اليوسف فنان كبير علم الكثيرين من الفنانين وأنا أحد تلامذته في المرحلة الثانوية فهو خير أستاذ ومربٍ. أعتز كثيرا بهذه العلاقة الطويلة التي جمعتني به منذ كنت طالباً، فنحن لا نترحم عليه فقط بل نترحم على أنفسنا لأننا فقدنا رائداً قل مثيله، وهو خير من مثل البحرين في الحركة التشكيلية محلياً وخارجياً، ونشاطه المتواصل شاهد على إبداعاته وإصراره نحو تطوير الحركة التشكيلية في وطننا البحرين، وهو صاحب المتعة والإبداع في مجال الفن، كونه تناول بعض النصوص الشعرية بأسلوب جديد وقد اشتغل في مجال الجرافيك بشكل جميل وإبداعي. سيظل اليوسف مرآة لا تغيب في واقع حركتنا التشكيلية في المعاصرة، لأنه بالفعل وضع بصماته، وأسس مدرسة فنية رائدة وبارزة المعالم في أبعادها الفنية”.
فقدنا لأي فنان خسارة للوطن
الفنانة الدكتورة سهيلة آل صفر تقول: ”فقدت البحرين برحيل اليوسف فناناً رائداً، وفقد أي فنان يعني للوطن وللفن التشكيلي خسارة. واليوسف تحديدا فنان قدم الصورة المثلى للحركة التشكيلية محليا وخارجياً وهو نموذج للإنسان الرائد والمحب لفنه ويعد من معاصري الحركة التشكيلية، كونه من المؤسسين الأوائل، وهوأكثر الفنانين معاناة فرحمة الله عليه. جاء اليوسف مع مجموعة من الفنانين الذين أسسوا أولى الخطوات لهذا الفن فهم أوائل ورواد نحترم عطاءهم، وستظل بصماتهم بارزة في الأفق الثقافي التشكيلي، كونهم أحبوا الناس وقدموا أجمل ابدعاتهم وعطائهم خدمة للوطن وإبرازاً للفن”.
أحد أعمدة التشكيل في البحرين
ويقول الفنان عبد الرسول الغائب: ”ناصر اليوسف من الرواد المؤسسين للفن التشكيلي في البحرين، وهو أحد مؤسسي جمعية البحرين للفن المعاصر، وله مشاركات فنية كثيرة أبرزت إبداعاته، وحتى عندما فقد صحته وبصره ظل يواصل بصماته الفنية، ويعد من أجمل الفنانين وصاحب رسالة إنسانية وفنية وثقافية بارزة، وهو صاحب حس إبداعي وليس مقلداً، يخلق جماليات لوحته من خلال حسه الفني، فهو صاحب مدرسة كبيرة، إن جاز لي أن أعدها مدرسة رائدة في الفن التشكيلي في البحرين. رحمة الله على ناصر، بفقده فقدنا رائداً نعزي أنفسنا به، لأنه ظل في عطائه وإخلاصه لفنه كبيرا لم يقلل مرضه من عزيمته”.
اليوسف فنان ملتزم بفنه
ويرى التشكيلي محمد بحرين أن اليوسف ”من أكثر الفنانين التزاماً بفنه ويعكس بصدق مشاعره، حتى لحظة أصيب بفقد النظر، وكانت ريشته تبرز تفاعله الواقعي الصادق. فنان متميز فقدته الحركة التشكيلية، بل فقدناه لأننا نظل بلوحاته نعكس أبعادنا الأخرى، في حملنا للوحاته التي تعكس أبعادها البعيدة وتعالج مشكلات كثيرة من خلال تجربة عريقة ومخلصة لفنها”. فقده خسارة لنا.. فرحمة الله عليه.. وستظل شواهده الفنية باقية لأنه لم يمت