الوقت – حسين مرهون:
لم يكن الفنان ناصر اليوسف، وحتى وفاته في العام الماضي، يملك الكثير من البصر، ولكن الثابت أنه كان يملك الكثير من البصيرة. وحديثاً، تذكرت إحدى الدوريات الثقافية المحلية هذه الحكمة، فحجزت له مساحة الملف الرئيس بين صفحاتها. (البحرين الثقافية)
ويغطي الملف الذي جاء في 30 صفحة حياة اليوسف، من خلال 8 شهادات تناوب على كتابتها فنانون بحرينيون وعرب، وهو من إعداد الزميل عباس يوسف.
وكتب أسعد عرابي، وهو لبناني مقيم في باريس وباحث في علم الجمال منتقداً موقف بعض الفنانين من أعمال اليوسف ‘’يقع سوء فهم أعماله خلف استضعاف إعاقته بطريقة عنصرية، أو إثارة الشفقة على مصابه’’، مضيفاً ‘’نادرون الذين استطاعوا أن يجردوا العمل الفني من مشكلة صاحبه، لذلك سبق التقدير الخارجي الاعتراف المحلي’’.
وتابع موضحاً ‘’تكريمه في بينالي الشارقة العام 1996 سبق جائزة الدانة في المعرض السنوي العام’’ على حد تعبيره.
وولد الفنان ناصر اليوسف في فريق ‘’الحياييج’’ في المحرق العام ,1940 وهو يعد واحداً من رواد ومؤسسي الاتجاه التعبيري الحديث في البحرين. أقام الكثير من المعارض الشخصية واشترك في الكثير من المعارض الجماعية في البحرين ودول عربية وأوربية كما حصل على الكثير من الجوائز، وذلك قبل أن توافيه المنية في يوليو/ تموز العام الماضي.
وقال عرابي ‘’لم أخفِ حماستي لأعماله، مما سبب حساسية لدى عدد قليل من الزملاء المتعصبين للنموذج الغربي حيث درسوا’’، معتبراً أنه ‘’هنا نصطدم بالمشكلة المزمنة من سوء الفهم الذي يعانيه أمثال ناصر اليوسف مع موجة التثاقف التي تدعي المعاصرة والحدث’’.
وخلص إلى القول ‘’يرجع تأخر الاعتراف به إلى إفلاته من حساسية من تملّكَهم سلطان التقنية، وسطوة العقل والسهولة التغريبية’’، مستدركاً ‘’في حين أن كشوفاته تعتمد على الحيرة الوجودية’’ حسب تعبيره.
من جهته، رأى محمد العامري، وهو فنان وناقد تشكيلي من الأردن، أن لوحات اليوسف ‘’تسجل تاريخين، تاريخ العين المبصرة وتاريخ البصيرة في غياب البصر’’، موضحاً ‘’في مرحلة الإبصار كان الأكثر قصدية في أعماله كونه يعرف ما يذهب إليه في رسمه للأشكال الآدمية والعمائر التي بدت متلاحمة’’. وأضاف ‘’في مرحلة فقدان البصر وإشعاع البصيرة نرى أن أشكال الناس والبيوتات عنده صارت مفرغة إلا من الإيضاحات الخطوطية’’، عازياً ذلك إلى علاقته ‘’بالصورة المخزنة من أيام الإبصار، وبتثوير حاسة اللمس من باب التغلب على عدم الرؤية’’ حسب تعبيره.
يشار هنا إلى أنه، ومنذ فقدانه إلى حاسة البصر، اعتمد الفنان في تنفيذ أعماله على الورق والحفر، حيث يقوم في بداية الأمر بقطع الشكل المطلوب من الورق بواسطة المقص ومن ثم يضع هذا الشكل على قطع خشبية ويبدأ حفرها للوصول للشكل المطلوب بواسطة اللمس وصولا إلى طباعة الشكل المحفور على الورق فتظهر في الأخير لوحة تشكيلية واضحة.
وتابع العامري موضحاً ‘’أصبح يرى بخمس أعين بدلاً من العينين، أصبح كما لو أنه كائن تركز في منطقة النحت الملموس، فكان اللمس وسيلة التلذذ بما يفعل ليقدم قيماً أكثر فنية في التعبير وأكثر تأثيراً على المشاهد’’.
وفي شهادة فاروق يوسف، وهو ناقد وشاعر عراقي مقيم في السويد، كتب يقول ‘’كان مصراً على فعل الرؤية. ولأن الرسم يتطلب النظر، فإن ناصر اليوسف كان يرى بطريقته. وهي طريقة قد تحتمل الخطأ مثلما يحدث لنا جميعاً’’.
ورأى أن ‘’البحث عن أخطاء اليد في رسوم اليوسف إنما يعد فعلاً عبثياً’’، موضحاً ‘’فيده التي تفكر إنما تخترع فضاءً صورياً مختلفاً عما نراه ونتوقع رؤيته’’ على حد تعبيره.
وأضاف ‘’اخترع ناصر اليوسف من خلال رسومه سبلاً جديدة للعيش (…)، لذته تكمن في أنه يخترع رؤى من شأنها أن تتحول إلى مرئيات تصبح جزءاً من حياة معاشة’’. وعرف اليوسف بتمرده على أشكال الفن الجاهزة، وشهدت تجربته في أعقاب زيارة له إلى المغرب برفقة الفنانين إبراهيم بوسعد وعبدالكريم العريض وعبدالكريم البوسطة مطلع الثمانينات، (شهدت) انتقالاً من التشكيل إلى فن الحفر والطباعة. وقبل ذلك في العام ,1970 أسهم مع علي عبدالله خليفة في تأسيس شكل جديد للكتاب الشعري، حين طلب منه الأخير معادلة الشعر باللوحة لديوان (عطش النخيل) الصادر العام ,1970 حيث كانت هذه التجربة من التجارب الأولى لشكل جديد لكتب الشعر.
إلى ذلك، اشتمل ملف ‘’البحرين الثقافية’’ على شهادات أخرى لفنانين من البحرين عاصروا اليوسف، وهم عبدالله يوسف وعبدالجبار الغضبان وإبراهيم بوسعد وعباس يوسف، وتميزت جميعها بسرد محطات من السيرة الذاتية جمعت هؤلاء مع الفنان
Al-Waqt :: 6 February, 2007 – Download original pdf page.